المنهجية في طلب العلم

العلم دواء

  • الشيخ علي بن حسن الحلبي الشيخ علي بن حسن الحلبي
  • 13/11/2022
  • 313
العلم دواء

   كثيرٌ من النَّاسِ يعيشون حياتهم مَرضى، تائهين ضائعين، يبحثون عن دواءِ لأدوائهم فلا يجدون، وينظرون إلى سبيلٍ منها يمرُّون، فلا يُميِّزون!

 والدَّواء أمامهم، والعلاجُ بين أيديهم، إنَّه العلمُ:

 قال الإمامُ الذَّهبي المتوفى سنة (748هـ):

    «مَنْ مَرِضَ قلبُه بشكوكٍ ووساوِسَ لا تَزولُ إلاّ بسُؤالِ أهلِ العلمِ؛ فليَتعلَّم مَن الحقِّ ما يَدفعُ عنهُ ذلك، ولا يُمعِن»(1).

 وأكبرُ أدويته الافتقار إلى الله والاستغاثةُ به، فليكرّرِ هذا الدُّعاء، وليُكثر منه:

    «اللّهُمَّ ربَّ جبريلَ،  وميكائيلَ، وإسرافيلَ، مُنزِّلِ التَّوراة والإنجيل، اهْدني لما اختُلِفَ فيهِ مِن الحقِّ بإذنِكَ، إنَّكَ تَهْدِي مَن تشاءُ إلى صراطٍ مُستقيمٍ»(2).

وَليُجَدِّد التَّوبةَ والاستغفار، وَليَسألِ اللهَ تعالى اليَقينَ والعافيَةَ، فإنَّهُ -إن شاء الله- لا يَنقَضي عنهُ أيّامٌ إلاّ وَقَد عُوفيَ -إن شاء الله- مِن مَرَضهِ، وسَلِمَ لهُ تَوحيدُه، واستراحَ مِن الدُّخولِ في علمِ الكلام (3)؛ الذي -والله العظيم- تَعَلُّمُه لِدَرْءِ دائهِ مُوَلِّدٌ لهُ أدواءً عديدةً ربَّما قَتَلَتهُ !! بل لا تقَعُ كثرةُ الشُّكوكِ والشُّبَهِ إلاّ لمن اشتغَلَ بعلمِ الكلام والحِكمَةِ (4)!

فدواءُ هذه: رَمْيُ هذه الأشياء ِالمُهلكةِ، والإعراضُ عنها بالكُلِّيَّة، والإقبالُ على كثرةِ التِّلاوَةِ والصَّلاةِ والدُّعاءِ والخَوفِ.

  فأنا الزَّعيمُ (5) لهُ بأن يَخلُصَ له تَوحيدهُ، ويُعافيهِ مَولاه .

  وإن لَم يستعمل هذا الدَّواءَ، وداوى الدَّاءَ بالدَّاءِ، وَغَرِقَ في أودِيَةِ الآراءِ والعُقولِ، فقد يسلمُ، وقَد يهلُك! وقَد يتعلَّل إلى أَنْ يموتَ"(6).

  وعن أبي الدَّرداء رضي الله عنه، قال: قال رسولُ الله -صلى الله عليه وآله وسلم- : «إنّ العُلماءَ وَرَثَةُ الأنبياء، إنّ الأنبياءَ لَم يُورِّثوا ديناراً ولا دِرهَماً، وأورثوا العِلمَ، فَمَن أخَذَه أخَذَ بِحَظٍّ وافِرٍ»(7) .

قال الإمام ابنُ حبَّان المتوفَّى سنة (354 هـ):

في هذا الحديث بيانٌ واضحٌ أنَّ العُلماء الذين لهم الفَضلُ الذي ذَكَرناه، هم الذين يُعلِّمون علمَ النَّبيِّ -صلى الله عليه وآله وسلم-، دون غيره من سائر العلوم.

ألا تراهُ يقولُ: «العلماءُ وَرَثَةُ الأنبياء»، و الأنبياءُ لم يُوَرِّثوا إلّا العلمَ، وعلمُ نبيِّنا -صلى الله عليه وآله وسلم- سُنَّتُهُ، فمن تعرَّى عن معرفتها لم يكن مِن وَرَثَةِ الأنبياء "(8).

  ومن أجمل ما قيل :

  العلمُ ميـــراثُ النَّبيِّ كذا أتى        بالنَّصِّ والعُلماءُ هم وُرَّاثُــهُ

  ما خلَّفَ المُختارُ غيرَ حديثِهِ        فينا، فذاك متاعهُ وأثاثـــــهُ

________________________________________

 الحواشي:

(1) أي : لا يُوغِلُ فيه قبلَ ذَهابِ مَرَضهِ هذا.

(2) وَقَد رَوى مسلمٌ (770) نحوه مَرفوعاً.

(3) وهو مِن أبوابِ الفلسفة!.

(4) والحكمة هنا باب من أبواب الفلسفة وليست الحكمة المحمودة في الكتاب والسُّنَّة.

(5) أي : كفيل .

(6) « مسائل في طَلَب العلم » ( ص:202- 203 - ضمن «ست رسائل» ) .

(7) رواه أبو داود (3641) و (3642) من طريقين يُقَوّي أحدهما الآخر.

(8) « الإحسان في تقريب صحيح ابن حبَّان » (1/291).

مجلة الأصالة ( 1 / 50-51) 

شارك المقال