المنهجية في طلب العلم

رسالة عاجلة إلى العلماء والدّعاة

  • الشيخ د. سعود بن ملوح العنزي الشيخ د. سعود بن ملوح العنزي
  • 24/10/2022
  • 644
رسالة عاجلة إلى العلماء والدّعاة

   إِنَّ مِن العِلل التي بدأت تستشري بين بعض طلبة العلم - في هذه الآونة قلّةَ الارتباط بالعلماءِ النّاصحين الحريصين على توجيه الشباب -خاصة- وتزويدهم بما آتاهم الله من علم، وخبرة في مجال التَّربيةِ والدعوة إلى اللهِ عزَّ وجلَّ.

  فإنَّ المشاهَدَ من بعضِ طلبةِ العلمِ، هو الحرصُ على سرعةِ البُروزِ، ممّا يؤدي بالطالب إلى الـوُلوجِ في مَسالكَ وعرةٍ يُخشى عليه من نتائِجِها.

  وليت الأَمر اقتصر على هذا فحسب، بل إنَّ البعض بدا يلمزُ- ولو مِنْ طرفٍ خَفيٍّ- بعض عُلمائِنا في هذا الزَّمن، بل قد ظهرت بعض الردود (اللاعلميّة) التي يردُّ بها هؤلاء الناشئون – من غير تأدُّبٍ- على فطاحلةِ هذا الزمنِ، ممن أَمضوا أكثَر أعمارهم بين جدرانِ مكْتباتهم، وصفحاتِ كتبِهم، ومَيَادين توجيههم ودعوتهم، حتّى وصلوا إلى ما وصلوا إليه، وذلك فضل الله يؤتـيه من يشاء، والـلهُ ذو الفضلِ العظيم.

  ولقد بَدأتْ نتائِج تسرُّع هؤلاءِ الشَّباب تظهرُ على الساحةِ، وذلك من خلالِ الردودِ، والفتاوي (الجاهزة) الخطيرة التي بدأت تجودُ بها قرائح هؤلاءِ النابهين!

   فإنَّ الذي يعيشُ قريباً من هذه الفئةِ، يعرف حالَهم التي انْتَهَوْا إليها تخبُّطٍ في طلبِ العلم، ومنهجِ الدّعوةِ إلى الله تعالى، والسببُ في ذلك هو ارتباطُ هؤلاءِ الشباب بالكتب دون العلماءِ!! ممّا كان له أثرٌ سَيِّئٌ في تحصيلهم العلميِّ، ومنهجِهم الدعويّ.

  ويصعبُ التعرُّض في هذه العجالةِ إلى كثيرٍ من الفتاوي والمسائلِ - بل والمعارك- التي تدورُ رحاها بين هؤلاء القوم، ولكن سأكتفي بالتنبيه على مسالةٍ واحدةٍ كثرُ الخوضُ فيها في الفترةِ الأخيرةِ، وتعالت فيها أصواتُ (المُفتين منهم)، أَلا وهي مسألة (التبديع)، وبالتالي (الهجر) المترتّب على ذلك! فقد حمي وطيس المعركة في هذه المسألة ، وفتن فيها ثلّة غيرُ قليلةٍ من طلبةِ العلمِ، فَكَثُرَ القولُ بتبديع فلانٍ ووجوبِ هجرِ علّان، من غير ارتباطٍ بالضوابطِ التي عني بها علماؤنا ، وقعّدوا لها القواعد ، فليس من اليسيرِ على أحداثِ أسْنانٍ سُفَهاء أحلامٍ -كما لا يستطَيعُ كلُّ أَحدٍ قرأَ حروفاً، أو سَمعَ كلماتٍ، أو نظر شيئاً من الكتب - أَنْ يُمَيِّزَ بين البدعٍ وغيرِها بسهولةٍ ويُسرٍ، بل لا بدَّ لمن أرادَ التمييز بين البدعِ وغيرِها ممّا استجدَّ أَنْ يكونَ عارفاً بشيئينِ اثنين:

الأول: سيرة الرسول صلى الله عليه وسلّم وسنَّته، حتّى تكونَ عنده كالأَصلِ والقاعدةِ التي منها ينطلقُ في التمييز بين السُّنن والبِدع.

الثاني: معرفة علم أُصولِ البِدعِ، ليسهل عليه تطبيقُ القواعدِ وتـخريجُ الفروعِ على الأُصولِ.

  وليسَ من شكّ أنَّ معرفةَ هذين الأَصلين والتمكّن من فهمهما، تعطي طالبَ العلمِ ركائزَ قويّة يخرجُ من خلالِها بأحكامٍ ثابتةٍ رصينةٍ بعيدةٍ عن الشكِّ والخطأِ والارتيابِ.

  وليت شعري، أنّى لطُوَيْلبِ علم تطفّل على بعضِ الكتبِ أن يحصلَ على التأصيلِ العلميِّ لهذه المسائِل وغيرها؟!  

  وإِنَّ الحالةَ التي تعيشها هذهِ الفئةُ من (النّاس) لتنذرُ بخطرٍ كبيرٍ، وشرٍّ مستطيرٍ، فإنَّني أَلحظُ تزايدَ أعداد هذه النوعيّة، كما أَنَّني أحسُّ بنسائِم الحزبيَّة المُنتنة قد بدأَت تهبُّ على قلوبِ هؤلاء المتعالمين، وبـدأّ الهوى يأخذ له مكاناً في القلوبِ.

 ولا شكَّ أَنَّ هذا يوجبُ على علمائنا ودعاتنا – وفّقهم الله - تدارك هؤلاءِ القوم، والحدّ من هذه الموجة الخطيرة قبل مزيدٍ من الانحراف، ومزيدٍ من التطاحنِ.

  كما أنّني أَدعو مجلّتنا الغرّاء "الأصالة" أنْ تعرِضَ البحث والمناقشة لإيجادِ الـعلاج الناجعلهذه المسالةِ وأخيّاتِها.

  واللهَ تعالى نسألُ أَنْ يأخذَ بِأَيْدينا جَميعاً لما يحبّه ويرضاه، وهو تعالى من وراءِ القصد .

مجلّة الأصالة (38/17-39)

شارك المقال