المنهجية في طلب العلم

قواعد تأهِّل الفرد المسلم للعلم الشرعي

  • الشيخ د. صالح بن غانم السدلان الشيخ د. صالح بن غانم السدلان
  • 12/06/2023
  • 594
قواعد تأهِّل الفرد المسلم للعلم الشرعي

   تأهيل الفرد المسلم للعلم الشـرعي يكون، أولاً: بتكوين اتجـاه إيجابي فـعـال نحو أهمية هذا العلم للفرد وللأمة وتكوين الشعور بالتذوق العلمي وروح التضحية من أجل العلم والاستمرار في  طلبه خدمةً للأمة ورفعا لمكانتها ثم بتكوين الطموح في البحث في أغوار هذا العلم والوقوف على أسرار الكون وتكوين روح الالتزام بالعلم وتكوين الشعور بالمسؤولية العلمية بحيث لا يقوم المسلم بشيء إلا وهو على بينة وعلم به ولا يتعلم شيئاً إلا وينزع إلى العـمل به مصداقاً لقول الحق تبارك وتعالى:﴿وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ ۚ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَٰئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا﴾ (الإسراء: ٣٦) .  

  فلابدّ أن يستشعر المسلم أنه مسؤول عن تعلم دينه وتربية نفسه بتزكيتها وتطهيرها من الرذائل ثم بعد ذلك هو مسؤول إذا أصـبح أبا عن تربية أولاده وأهله ومسؤول عن تربية أهله وتعليم جيرانه ومجتمعه بقدر الاستطاعة فالإسلام يريد من التربية الذاتية للمسلم أن يصوغه صياغة إيجابية حية فلا يسكت عن ضيم يصيبه ولا يرضى بمنكر في ساحته ولا يتغاضى عن الخنا في داره يشغل وقته آمراً بالمعروف ناهياً عن المنكر يرمق له فـيتأثرون به ويؤثرون فـيـه صلاحاً وإصلاحاً كما فعل النبي -صلى الله عليه وسلّم - في إصلاح الرعيل الأول؛ حين عين لهم الهدف وتركهم يرشدون الناس بل والبشرية قاطبة.

  لهذا يجب أن يترجم العلم الشرعي إلى منهج فكر وأسلوب حياة ونظام تنشئة ورعاية شريعة ورؤية صادقة لعـلاقة الإنسان بخالقه وعلاقته بأخيه الإنسان وعلاقته بالكون والحياة إنه عملية توجيه ورعاية وتنمية للإنسان يصبح في عقيدته وفكره وعلمه وجسمه وسلوكه بعامه تجاه نفسه وغيره وتجاه ما سخره الله له في الكون نابع من شريعة الله التي أنزلها مقتدياً بسنة النبي -صلى الله عليه وسلم-.

   إن الله تعالى إنما خلق السماوات والأرض ونزل الأمر لنعلم أنه على كل شيء قدير وأنّه قد أحاط بكل شيء علماً فـيكون هذا دليلاً على معرفته ومعرفة صفاته كما قال تعالى: ﴿اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا﴾ (الطلاق: ١٢) .  

  وإذا كانت العلوم تنقـسم من حيث إفـادتهـا إلى نافع وضار فالمسلم مطالب بالاستفادة والاستزادة من العلم النافع وهو المعني بقول الله تعالى: ﴿وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْمًا﴾ (طه: ١١٤).

  وللعلوم النافعة أسس وركائز يجب أن نعيها عند تأهيل الفرد المسلم للعلوم الشرعية منها:

·        موافقتها للكتاب والسنة وعدم معارضتها أو محاذاتها بالشرع في كل جزء من جزئياتها .  

·       العمل بها فيما يعود بالخير على الفرد والمجتمع نشرا وتعليما ومنهجا وفكراً .   

·       يجب الإخلاص فيها وتقدم النية الصالحة والبعد عن الهوى والمقاصد السيئة .  

·       ربط السلم التعليمي بمنهج السلف معيارا لضبط قواعد التعليم والتعلم على هديهم الرشيد .  

·       مراعاة الظروف والمتغيرات والمستجدات على المجتمع الإسـلامي والاستفادة من استخدام الوسائل التعليمية الحديثة التي تساعد على تعلم العلم الشرعي حفظاً وفهماً وتأصيـلاً وتلقيناً.

·        يعد التـدرج من أهم وسائل تلقي العلوم الشرعـيـة وإحدى دعام تحقـيق الأهداف التربوية ... ولو رجعنا إلى تاريخ التعليم في الإسلام لوجـدنا الأصول والقواعد التي كان السلف الصالح يتبعونها في منهج التلقي عن رسول الله-صلى الله عليه وسلم- من حـيث الإطاقـة والتـدرج في التكليف والتعليم وفهم المواقف والمناسبات المختلفة والمتابعة والسؤال والحوار والمناقشة واستخدام كل وسيلة ممكنة لتوضيح المواقف التعليمية وغير ذلك كثير ما لا يتسع له المقام.  

   فتلقين العلوم للمتعلمين إنما يكون مفيداً إذا كان على التدرج شيئاً فشيئاً وقليلاً قليلاً، فيلقى عليه أولاً مسائل من كل باب من الفن هي أصول ذلك الباب ويقرب له شرحها على سبيل الإجمال، ويراعى في ذلك قوة عقله واستعداده لقبول ما يرد يحصل له ملكة في ذلك العلم.

   فعلى العلماء والمربين أن ينتبهوا إلى هذا الأمر فـيربوا طلابهم بالتدرج والترقي من صغار العلم إلى كباره وتحميلهم منهم ما يطيقون، كما يفعل الأب بولده الطفل في إيصال الغذاء إلـيه فإن أرواح البـشر بالنسبة إلى الأنبياء والرسل كالأطفال بالنسبـة إلى أباءهم بل دون هذه النسبة بكثير .  

  إنه يجب أن يبتدئوا بالأهم فالمهم مراعين التدرج فإنه سنة الله في الكون، يجب أن يبـدأ التعليم الشرعي بكتان الله أولاً ثم بسنة رسوله -صلى الله عليه وسلم- ثم بعلم التفسير وسائر علوم القرآن ثم بالحديث وعلومه، ثم بالأصول من علم الفقه، ثم بفروعه وهو علم المذهب من علم الفقه دون الخلاف، ثم بأصول الفقه وهكذا إلى بقية العلوم على ما يتسع له العمر ويساعد فـيه الوقت، وليقتصر من شائع في علم اللغة على ما يفهمون منه كلام العرب دون التعمق بل بما يتعلق بفهم الكتاب والسنة.

  فالعلـم الشرعي بناء متكامل لشخصية الإنسان المؤمن بحيث تجعلنا لا نقف عند صلاح عقيدته في الفكر فحسب بل نمتد بالإصلاح إلى عقله واستقامة منهجه بالبحث والتكامل وطلب الدليل ومسلكه وتعامله وتحليه بالآداب الشرعية والنظم الشرعية واتزانه العاطفي وتوجهاته وكل حركاته وسكناته .  

 ___________________________________

الحاشية :    

(١) انظر في هذا الموضوع: معالم بناء نظرية التربية الإسلامية لمقداد يالجن ص٨٠، والمحور الأول ص١٣ -٢٢، والمحور الثالث ص ١١٣، وحديث أبي الدرداء في طلب العلم، ص ٤٠ - ٤١ - ٥٤ – ٥٥.

مجلّة الأصالة (40/21-42)

شارك المقال