المنهجية في طلب العلم

العلم الشرعي للرجل والمرأة سواء

  • الشيخ د. صالح بن غانم السدلان الشيخ د. صالح بن غانم السدلان
  • 13/11/2022
  • 631
العلم الشرعي للرجل والمرأة سواء

العلم الشرعي للرجل والمرأة سواء(1)

   المرأة نصف المجتمع؛ فعليها إذاً- نصف العبء الواجب للعمران، ولا ريب أن المسؤولية الشخصية، والمسؤولية الاجتماعية تقتضيان العلم، للنهض بواجب هاتين المسؤوليتين، فالمرأة مسؤولة عن صلاتها وصيامها وزكاة مالها وحجها وتصحيح عقيدتها، وعن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وعن الاستباق إلى الخير.

  وفي الجملة؛ ما جاء به الاسـلام في الكتاب العظيم وفي السنة المطهرة لبيان واجب المسلم، على المرأة أن تتعلم وتُعَلَّمَهُ نظرياً وعملياً.  

  وإذا كان من المسلَّم به أن الإسلام عبادة وقيْادة وسياسة واجتماع واقتصاد وحركة للحياة في شتى بمجالات الحياة... وإدراك كل ذلك لا يأتي عفوياً، وإنما بالدرس والتلقين والتلقي... كان من المنطقي أن يكون تعلم الإسلام -والإسلام ثقافة واسعة شاملة عميقة متنوعة- واجباً على كل مسلم ومسلمة... ولهذا فلا غرابة في أن يروى عن النبي-صلى الله عليه وسلم- وأنه قال: «العلم فريضة على كل مسلم»، بل الذي يكون غريباً وليس منطقياً مع الإسلام مفهومه الذي ذكرناه أن ينكر تعليم المرأة، أو أن يعد تعليمها نافلة وأمراً ثانوياً...

   ثم إن كلمة «مسلم» في ذكر التكاليف الشرعية تعني كل من آمن بالإسلام من الثقلين.

 لهذا عني الإسلام بمسالة تعليم المرأة وطلبها للعلم الشرعي النافع.

  والمتأمل في عموم الرسالة المحمدية يدرك أن الإسلام لم يكن ليقتصر على تكليف الرجال واختصاصهم بالأوامر والنواهي بل كان يحمّل النساء جزءاً من هذه المسؤولية، وجميع نصوص الكتاب والسنة تفيد اشتراك المرأة مع الرجل في خطاب التكليف إلا ما ورد فيه نص في خصوصية الرجل كما أن هناك تكليف شرعي يختص بالمرأة وأما تكاليف الشريعة في عمومها فهي مشتركة بين الرجل والمرأة، بل هناك نصوص صريحة خاصة بتكليف النساء كما في قوله تعالى: ﴿وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَىٰ فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ﴾ (الأحزاب: 34).

   يقول ابن عباس رضي الله عنهما في تفسير قوله سبحانه: ﴿وَقُلْنَ قَوْلًا مَّعْرُوفًا﴾ (الأحزاب:32): أمرهن بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.  

((ومما لا ريب فيه أن قيام المرأة المسلمة بالدعوة إلى الله تعالى من أهم وجوهه تعليم العلم الشرعي والتوجيه والإرشاد والتربية والتأديب فضلاً عن قيامها على سياسة بيتها وأمور زوجها، كما أنها تنطلق في الأعمال غير المباشرة بالكلمة المكتوبة أو المسموعة فتضيف بقدرتـها وحسها ما يخدم هذا الدين)).

  ومنذ أشرق نور الإسلام أمر بتعليم الفتاة العلم النافع وإن وجد في بعض الأحيان من يرفض تعليمها فإنما كان المنع والرفض مختصاً بتعليم الشعر الفاحش أو الفلسفة الضارة أو ما ترتب بسببه اختلاط بالرجال، أما العلوم الشرعية النافعة فلم ينهه عنها بل حث عليها، وجعلها هدفاً لتهذيب نفسها وخلقها ووجداها بالعقائد الصحيحة والقواعد الدينية الراشدة والمعارف الدينية التي تنير ذهنها وتوثق رابطتها بما حولها من شؤون الحياة؛ مثلها مثل الرجل -تماماً بتمام-، فما لم يتعلم كل منهما أحكام دينه وروابط صلته بربه ومناهج التهذيب وسنن الاجتماع وأمهات الأخلاق وغايات الحياة ومبادئ السلوك، وما لم يتعلم ذلك وكله من لباب العلم ويبرأ به المرء من شقوة الجهل وظلمة الحس والمادية وقع في إثم التقصير وعرض نفسه لمهانة التخلف في الدنيا والآخرة، وليس أدل على ذلك من أن المرأة وصلت في ظل الإسلام إلى أسمى مكانة في العلم. 

 بل إن النساء كن يحتشدن لسماع النبي والصـلاة الجامعة معه من أجل التعليم، فإن صلاة المرأة في بيتها أفضل من الصلاة في المسجد بلا نزاع... ومن أجل التزاحم خصص النبي لهن باباً يسمى حتى الآن في مسجد رسول الله -صلى الله عليه وسلّم- بالمدينة «باب النساء».

 وذكر البلاذري في «فتوح البلدان»:- نساء مسلمات تعلمن القراءة والكتابة يبلغ المعروف منهن نصف عدد المعروف من الرجال الكتَّاب، وروي أن الشفاء العدوية (من قبيلة بني عدي رهط عمر بن الخطاب) طلب إليها النبي أن تعلم زوجته أم المؤمنين حفصة بنت عمر بن الخطاب تحسين الخط وتزيين الكتابة.  

 وكانت أم المؤمنين عائشة بنت أبي بكر وأم المؤمنين أم سلمة رضي الله عنهما تقرآن وإن لم تكسَبا مهارة الكتابة.  

  «وذكر الواقدي أن كريمة بنت المقداد كانت تكتب وتقرأ، وروي أن عائشة بنت سعد قالت: علمني أبي الكتاب، أي: الكتابة، وذكر البلاذري أن أم كلثوم بنت عقبة كانت تكتب».  

  وقد بلغ التعليم في المجال النسائي حداً كبيراً جعل النساء يشاركن الرجال تبعة الزحف بالإسلام نحو الخافقين، فعائشة تروي لنا ألفي حديث، وأختها أسماء تروي ستة وخمسون حديثاً... وغيرهن كثير روين شيئاً من سنة النبي -صلى الله عليه وسلّم-.

  ويروى عن أم الدرداء الفقيهة الزاهدة حضها على العلم وتفضيله على كل ما سواه إذ تقول:- «لقد طلبت العبادة في كل شيء فما أصبت لنفسي شيئاً أشفى من مجالسة العلماء ومذكرتهم، وقد وصفها النووي بقوله:- «اتفقوا على وصفها بالفقه والعقل والفهم، وقد عاشت في أيام معاوية رضي الله عنه».

     إن الإسلام لم يمنع تعلم المرأة أمور دينها ولم يقف حجرعثرة في طريق حريتها وتقدمها بل أجمع العلماء والفقهاء سلفاً وخلفاً أن ما يجب تعلمه على سبيل فرض العين فالمرأة به كالرجل على حد سواء، فالمرأة كالرجل في التكاليف الشرعية وهي كهو في نيل الجزاء الأخروي اللهم إلا في بعض حالات خاصة أعفاها من التكاليف إما لوجود مشقة عليها أو لكون تلك الأعمال لا تتفق وطبيعتها وتكوينها أو أن ذلك يتعارض مع وظيفتها الطبيعية الي خلقت من أجلها أو يترتب على ذلك فساد اجتماعي خطير كالاختلاط وغيره أما ما عدا ذلك من الأعمال والتكاليف والواجبات فهي كالرجل سواءٌ بسواء.  

  وقد ورد أن أسماء بنت يزيد ابن السكن رضي الله عنها أتت النبي -صلى الله عليه وسلم- فقالت إني رسولُ مَن ورائي من جماعة نساء المسلمات كلهن يقلن بقولي وعلى مثل رأيي: إن الله بعثك إلى الرجال والنساء فآمنا بك واتبعناك ونحن -معشر النساء- مقصورات مخدرات قواعد بيوت، وإن الرجال فضلوا بالجماعات وشهود الجنائز والجهاد وإذا خرجوا للجهاد حفظنا هم أموالهم وربّين أولادهم أفلا نشاركهم في الأجر يا رسول الله؟! فالتفت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بوجهه إلى أصحابه فقال:«هل سمعتم مقالة امرأة أحسن سؤالاً عن دينها من هذه؟»، فقالوا: بلى يا رسول الله، فقال عليه الصلاة والسلام: «انصرفي يا أسماء وأعلمي من ورائك من النساء أن حسن تبعل إحداكن لزوجها وطلبها لمرضاته واتباعها لموافقته يعدل كل ما ذكرتِ»، فانصرفت أسماء وهي تهلل وتكبر استبشاراً بما قاله لها عليه الصلاة والسلام.  

 وغني عن البيان أن المرأة في العصور الأخيرة كانت محرومة من التعليم، وكان لجهلها أثر في تأخر المسلمين، والأمهات الجاهلات ينجبن أبناء جاهلين خاملين:

وإذا النســاء نشأت في أميـــة       رضع الرجــال جهالة وخمــولاً

   لذلك كان من النهضة المحمودة أن يفتح للفتاة باب التعليم وأن يكثر في المجتمع الزوجات المتعلمات والأمهات المتعلمات، وحتى لا يلتبس الأمر على أحد فالعلم المفروض على كل مسلم ومسلمة هو الضروري من علوم الدين، لا العلم الكاذب الذي يند عن هذه المهمة مما ينادي به دعاة التفرنج والحرية والسفور والفجور المبهرج والمغطى بشعارات العلم، إنهم يسمون الرقص علماً مطلوباً، ويسمون دراسة الموسيقى والغناء علماً، ويسمون دراسة التمثيل والسينما والمسرح علماً، ويسمون كل ما وصلت إليه وسائل الفجور في الشرق والغرب علماً مطلوباً.  

  إنها دعاوى كاذبة وقيم سالبة مناقضة لقيم الصدق والحق والمعرفة الصحيحة، فما هي العلاقة بين المرأة والتعليم وبين التبرج والزينة والسفور والتسكع في الشوارع شبه عارية، أأداة استقبال العلم تكون في النهود تظهر أم في كشف الأفخاذ أم في الملابس الي تكون ضيقة بحيث يبدو الجسم فصولاً متعددة، ما هي العلاقة بين هذا وهذا. إن من القصور حقاً أن ننقل عن الغرب أو الشرق كل ما عنده بخيره وشره، فليس كل ما يصلح لهم صالحاً لنا، فديننا مختلف ونهجنا غير متفق، أما أن نجري وراء سراب التحرر لاهثين ونجري خلف زيف الأماني راكضين فهذا فلا شك أنه يجرعلينا كثيراً من الويلات ويذيقنا صنوفاً من الذل واهوان، فنغدو ألعوبة بيد شياطين التحلل، وتلك صيحات وأبواق شيطانية تدفع له المرأة المسلمة الثمن غالياً من كرامتها وعزتها، ورفعة مكانتها؛ فتغدو لقمة سائغة لكل جائع، وسلعة رخيصة لكل مشتر، حتى ينتهي ها الأمر إلى التردي والسقوط.

((نسأل الله تعالى- أن ينتشل كل مسلمة من وحل المعصية وأن يهديها سبل الصراط حتى تستعيد قوتها وتعود عودتها لعقيدتها وتوجيهات دينها وقواعد منهجها الرباني العظيم، حتى تكون وكما أرادها الله -تعالى- جديرة بالسعادة في الدنيا والآخرة)).
______________________

الحواشي: 

(1) انظر في هذا الموضوع: «أثر العلم الشرعي في حياة المرأة المسلمة»، لأم حسن، ص(١٦-١٧ -١٨-١٩). و«من قضايا الفكر الإسلامي المعاصر»،(ص٣٦٨ - ٣٦٩). «وتربية الأولاد في الإسلام»، لعبد الله ناصح علوان، ص (٢٦٨ - ٢٦٧) «بتصرف». و«أثر العلم»، للسدلان، ص (١١-١٢). و«عناية المرأة بالحديث النبوي» لمشهور حسن، و«المرأة ماذا بعد السقوط». و«إسلامية المعرفة». و«حقوق النساء في الإسلام». و«الإسلام وقضايا المرأة المعاصرة». و«المرأة تعليمها وعملها في الشريعة الإسلامية»، ص(٢٧) وما بعدها.  

مجلّة الأصالة (60/29-65)

شارك المقال