المنهجية في طلب العلم

قواعد في التعامل مع العلماء

  • الشيخ أبو عبد الله المزروعي الشيخ أبو عبد الله المزروعي
  • 14/11/2022
  • 609
قواعد في التعامل مع العلماء

من قواعد التعامل مع العلماء:

1- موالاة العلماء ومحبتهم: فهم أولى الناس بالموالاة وأحقهم بالمحبة في الله بعد الأنبياء، قال شيخ الإسلام: «يجب على المسلمين بعد موالاة الله تعالى، ورسوله -صلى الله عليه السلام- موالاة المؤمنين خصوصاً العلماء الذين هم ورثة الأنبياء...». [«رفع الملام» (ص11)]، وليس معنى موالاة العلماء أن يجعل العالم مناط الموالاة والمعاداة فينتصر الطالب لشيخه ويتعصب لأقواله ويجعلها هي الحق فيوالي على أساسها ويعادي من عاداها، فينتصر الطالب لشيخه ويتعصب لأقواله ويجعلها هي الحق فيوالي على أساسها ويعادي من عاداها، فإن هذا لا يكون إلا لرسول الله -صلى الله عليه السلام- ، قال ابن تيمية: «من نصّب شخصاً كائناً من كان فوالى وعادى على موافقته في القول والفعل فهو من الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعاً». [«الفتاوى» (20/8)]

2- احترام العلماء وتقديرهم: في الحديث «ليس منا من لم يرحم صغيرنا ويوقر كبيرنا، ويعرف لعالمنا حقه» أحمد والترمذي وله شواهد.

قال طاووس بن كيسان: «من السنة أن يوقر أربعة: العالم، وذو الشيبة، والسلطان، والوالد». [«شرح السنة» للبغوي (13/43)]

وهذا ابن عباس -رضي الله عنهما- مع جلالته يأخذ بركاب زيد بن ثابت ويقول: «هكذا أمرنا أن نفعل بعلمائنا وكبرائنا». [الحاكم، وابن عبد البر (1/228)]

ولما جاء الإمام مسلم إلى الإمام البخاري وقبل بين عينيه، قال: «دعني حتى أقبل رجليك يا أستاذ الأستاذين، وسيد المحدثين وطبيب الحديث في علله ...». [ذكره ابن كثير في «البداية والنهاية» (1/340)]

3- الأخذ عن العلماء والسعي إليهم.

قال عبد الرحمن بن مهدي: «كان الرجل من أهل العلم إذا لقي من هو فوقه في العلم، فهو يوم غنيمته سأله وتعلم منه، وإذا لقي من هو دونه في العلم علّمه وتواضع له، وإذا لقي من هو مثله في العلم ذاكره ودارسه». [«المحدث الفاصل» (ص 206)]

وقال أبو الدرداء -رضي الله عنه- «من فقه الرجل ممشاه ومدخله مع أهل العلم». [«الجامع» لابن عبد البر (1/127)]

قال ابن مسعود رضي الله عنه: «لو أعلم أحداً مني بكتاب الله، تبلغه الإبل لركبت إليه». [رواه البـخاري فـي «صحيحه» (6/102)]

قيل لأبي حنيفة –رحمه الله-: «في مسجد كذا حلقة يتناظرون في الفقه، قال: ألهم رأس؟ قالوا: لا، قال: لا يفقهون أبداً». [المصدر السابق (1/139)]

4- رعاية مراتب العلماء: فالعلم مراتب والعلماء درجات فلا بد لطالب العلم أن يرعى للعلماء مراتبهم ومنازلهم.

قال ابن عقيل -رحمه الله-: «ومن عجيب ما سمعته عن هؤلاء الأحداث الجهال، أنهم يقولون: أحمد ليس بفقيه لكنه محدِّث، وهذا غاية الجهل؛ لأن له اختيارات بناها على الأحاديث لا يعرفها أكثرهم، وربما زاد على كبارهم». [ذكره الذهبي في «السير» (11/321)]

قال الذهبي تعليقاً على هذا: «أحسبهم يظنونه كان محدثاً وبسّ، ووالله لقد بلغ في الفقه الخاصة رتبة الليث، ومالك والشافعي ... ولكن الجاهل لا يعرف رتبة نفسه، فكيف يعرف رتبة غيره؟!». [المصدر السابق]

ومن مراعاة مراتب العلماء مراعاة التخصص، حيث يغلب على العالم فن من فنون العلم فيكون فيه من الاعتبار ما ليس لقول غيره، قال الشافعي -رحمه الله- للإمام أحمد: «أنتم أعلم بالحديث مني، فإذا صح عندكم الحديث فقولوا لنا حتى نأخذ به». [«أعلام الموقعين» (2/325)]

ومن مراعاة مراتب العلماء: مراعاة السن، فكلما امتد الزمان بالعالم ازداد علماً وتجارباً.

ومن مراعاة مراتب العلماء: رعاية مرتبة الإمام العالم الذي دان له أهل زمانه أو بلده بالعلم وصار مرجعاً ومفتياً للناس.

وليس من رعاية مراتب العلماء: الأخذ عن بعض طلبة العلم ما يتعارض مع ما يراه العلماء الكبار.

وليس من رعاية مراتب العلماء: حفظ حقوق بعض صغار أهل العلم ما لا يحفظ لغيرهم من الكبار.

5- الحذر من القدح في العلماء: فإن الطعن في العلماء من سمات أهل البدع والضلال، لأنه طعن في الدين والدعوة التي يحملونها، وهذا مراد الطاعنين في سلف الأمة وعلمائها التابعين لهم بإحسان.

قال أبو زرعة: «إذا رأيت الرجل ينتقص أحداً من أصحاب رسول الله فاعلم أنه زنديق». [ابن حجر في «الإصابة» (1/10)]

قال الإمام أحمد: «إذا رأيت الرجل يغمز حماد بن سلمة فاتهمه على الإسلام؛ فإنه كان شديداً على المبتدعة». [«السير» (7/450)]

قال عبد الله بن المبارك: «حق على العاقل ألا يستخف بثلاثة: العلماء، والسلاطين، والإخوان، فإنه من استخف بالعلماء ذهبت آخرته، ومن استخف بالسلطان ذهبت دنياه، ومن استخف بالإخوان ذهبت مروءته». [«السير» (17/251)]

فاحذر يا أخي من الاستهزاء بالعلماء والطعن فيهم، احذر من غيبتهم فإن غيبتهم أعظم من غيبة غيرهم.

قال ابن عساكر -رحمه الله-: «واعلم يا أخي ... أن لحوم العلماء مسمومة، وعادة الله في هتك أستار منتقصيهم معلومة، لأن الوقيعة فيهم بما هم منه براء أمره عظيم والتناول لأعراضهم بالزور والافتراء مرتع وخيم...». [«تبيين كذب المفتري» (ص 28)]

6- الحذر من تخطئة العلماء: والعلماء بشر يخطئون ولكن اتهامهم بالخطأ فيه مزلقان:

       1- أن يكون اتهامهم بالخطأ غير صحيح بسبب العجلة في الاتهام أو بسبب الجهل بحاله.

       2- أن يحكم على العالم بالخطأ، غيرُ العالم، فيبني الشخص تخطئته للعالم على جهل.

فلا يخطئ العلماء إلا العلماء أمثالهم. بل قد يشتبه الأمر على بعض العلماء فيخطئ عالماً آخر في مسألة وهو -في حقيقة الأمر- غير مخطئ فيها.

7- التماس العذر للعلماء: لا بد من إحسان الظن بالعلماء، والتماس العذر لهم قال عمر بن الخطاب: «لا تظن بكلمة خرجت من أخيك المسلم سوءاً، وأنت تجد لها في الخير محملاً»[«تفسير ابن كثير» (4/213)].

وقال محمد بن سيرين: «إذا بلغك عن أخيك شيء فالتمس له عذراً، فإن لم تجد، فقل: لعل له عذراً». [الأصبهاني (ص 97)]

قال السبكي -رحمه الله- «فإذا كان الرجل ثقة مشهوداً له بالإيمان والاستقامة فلا ينبغي أن يحمل كلامه على غير ما تعود منه، بل ينبغي التأويل وحسن الظن الواجب به وبأمثاله». [«قاعدة الجرح والتعديل للسبكي» (ص 93)]

8- الرجوع إلى العلماء، والصدور عن رأيهم خصوصاً في الفتن:

عند الفتن تشتبه الأمور ويكثر الخلط وتزيغ الأفهام والعقول، فالواجب على الناس حينئذ الأخذ برأي العلماء والصدور عن قولهم. قال الله -تعالى-﴿وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ ۖ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَىٰ أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ. [النساء:83].

9- ليس أحد إلا وتُكُلّم فيه، فتثبّت؟

لا يبرز أحد من هذه الأمة إلا ويُتكلم فيه، فطائفة تعظمه وتصوبه، وطائفة تحقره وتخطئه، قال الذهبي في «السير» (14/344): «ما من إمام كامل في الخير إلا وثم أناس من جهلة المسلمين ومبتدعيهم يذمونه، وما من رأس في التجهُّم والرفض إلا ولـه أناس ينتصرون له ويذبون عنه ...».

إن رضى الناس غاية لا تدرك، ولا يَسْلَم شخص من الطعن والذم، فلا بد من التثبت.

قال الشافعي -رحمه الله-: «ليس إلى السلامة من الناس سبيل، فانظر الذي فيه صلاحك فالزمه». [البيهقي «في آداب الشافعي» (ص 278-279)، والذهبي في «السير» (10/42) و(10/89)]

10- العلماء غير معصومين من الخطأ، وأخطاؤهم قليلة بالنسبة لكثرة فضائلهم: فإن العلماء في هذه الأمة هم خيارها:

قال ابن تيمية: «كل أمة قبل مبعث نبينا محمد -صلى الله عليه السلام- فعلماؤها شرارها، إلا المسلمين، فإن علماءهم خيارهم فإنهم خلفاء الرسول في أمته، والمحيون لما مات من سنته...» [«رفع الملام» (ص 11-12)]، فإذا كانوا كذلك فإنه يجب أن يغتفر قليل خطئهم في كثير صوابهم.

قال سعيد بن المسيب: «ليس من عالم ولا شريف ولا ذي فضل إلا وفيه عيب، ولكن من كان فضله أكثر من نقصه، ذهب نقصه لفضله ...». [«الجامع» لابن عبد البر (2/48)]

قال الذهبي -رحمه الله- «السير» (20/46): «ونحب السنة وأهلها، ونحب العالم على ما فيه من الاتباع والصفات الحميدة ولا نحب ما ابتدع فيه بتأويل سائغ، وإنما العبرة بكثرة المحاسن».

11- الحذر من زلات العلماء: العلماء غير معصومين من الخطأ والزلات.

قال رسول الله -صلى الله عليه السلام- : «كل بني آدم خطاء، وخير الخطائين التوابون». [رواه أحمد، والترمذي، والحاكم وصححه]

قال شيخ الإسلام: «... فأما الصديقون والشهداء فليسوا بمعصومين، وهذا في الذنوب المحققة، وأما ما اجتهدوا فيه، فتارة يصيبون، وتارة يخطئون، فإذا اجتهدوا وأصابوا فلهم أجران، وإذا اجتهدوا وأخطأوا فلهم أجر على اجتهادهم، وخطؤهم مغفور لهم». [«الفتاوى» (35/69)]

فما هو الموقف من زلة العالم؟

أولاً: عدم الاعتماد على تلك الزلة، وعدم الأخذ بها، لأنها جاءت على خلاف الشريعة، قال الشاطبي: «إن زلة العالم لا يصح اعتمادها من جهة، ولا الأخذ بها تقليداً له، وذلك لأنها موضوعة على المخالفة للشرع، ولذلك عدت زلة، وإلا فلو كانت معتداً بها لم يجعل لها هذه الرتبة، ولا نسب إلى صاحبها الزلل فيها». [«الموافقات» (4/170)]

قال الأوزاعي -رحمه الله-: «من أخذ بنوادر العلماء خرج من الإسلام» [«السير» (7/125)].

ثانياً: العدل في الحكم على صاحبها:

فلا ينسب على التقصير، ولا يشنع عليه من أجلها، ولا ترد بقية أقواله وآرائه بسببها.

قال ابن القيم -رحمه الله- «إن الرجل الجليل الذي له في الإسلام قدم صالح وآثار حسنة، قد تكون منه الهفوة والزلة هو فيها معذور بل ومأجور لاجتهاده، فلا يجوز أن يتبع فيها، ولا يجوز أن تهدر مكانته ومنزلته في قلوب المسلمين». [«إعلام الموقعين» (3/295)]

وإذا كانت زلة العالم هذه غير ذات أثر على الناس، فالواجب سترها لعله يرجع عنها.

12- كلام الأقران في بعض بهوىً وعصبية، لا يلتفت إليه، بل يطوى ولا يروى...». [«السير» (10/92-94)]

وقال أيضاً: «وكلام الأقران بعضهم في بعض لا يعبأ به، لا سيما إذا لاح لك أنه لعداوة أو لمذهب أو لحسد، وما ينجو منه إلا عصم الله». [«ميزان الاعتدال» (1/111)]

أما أسباب كلام العلماء بعضهم في بعض فمنها:

   1- وجود منافسة في البلد أو التخصص العلمي.

   2- الغضب الشديد.

   3- الاختلاف المذهبي.

   4- وجود الإحن والمخاصمات.

أما ثناء العلماء على بعضهم البعض فكثير؛ مما يدل أنهم كانوا أهل عدل وإنصاف ولو اختلفوا في بعض المسائل.

13- العدل في الحكم على العلماء المجتهدين: وذلك قواعد منها:

1- المجتهد مأجور غير مأزور:

في الحديث: «إذا حكم الحاكم فاجتهد فأصاب فله أجران، وإذا اجتهد فأخطأ فله أجر». [«البخاري» (19/123)]

2- أن الاختلاف بين العلماء أمر مقدور لا يمكن تجاوزه:

قال ابن تيمية: «وكانوا يتناظرون في المسألة مناظرة مشاورة ومناصحة، وربما اختلف قولهم في المسألة العلمية والعملية مع بقاء الألفة والعصمة وأخوة الدين، نعم من خالف الكتاب المستبين، والسنة المستفيضة أو ما أجمع عليه سلف الأمة خلافاً لا يعذر فيه، فهذا يعامل معاملة أهل البدع». [«الفتاوى» (24/172)]

3- إن اختلاف المجتهدين في الأحكام له أسباب معتبرة ولم يكن عن تعمد أو لهوى غير ذلك.

4- أن الأصل الذي يرد إليه الخلاف ويعرف به الحق من الباطل هو الكتاب والسنة وإجماع السلف الصالح: وينبني على هذا الأصل أنه لا يُقبل اجتهاد فيما ثبت بدليل قطعي الدلالة والثبوت.

5- أن العصمة لا تكون لأحد بعد النبي -صلى الله عليه السلام- ، وقول الإمام مالك مشهور في ذلك. [«السير» (8/93)].

14- ترك المبادرة إلى الاعتراض على العلماء:

على طالب العلم أن يتهم رأيه عند رأي الأجلة من أهل العلم ولا يبادر بالاعتراض قبل التوثق، قال ابن حجر:

«... التابع لا يليق به الاعتراض على المتبوع بمجرد ما يظهر في الحال، بل عليه التسليم، لأن المتبوع أعرف بمآل الأمور غالباً يكثره التجربة...».[«فتح الباري» (5/352)]

ويعظم خطر الاعتراض على العلماء إذا كان المعترض يقصد الوضع وانتقاصهم.

والمقصود بترك الاعتراض على العلماء: في موضع الاحتمال والاجتهاد، أو بدون تثبت وتبين.

15- وضع الثقة في العلماء:

قد يترك العلماء بعض الأعمال بسبب نظرهم في مآلات الأمور وعواقبها، ومراعاة المصالح والمفاسد وهل ترك رسول الله قتل عبد الله بن أُبَيّ سلول إلا مراعاة للمفاسد؟!

وهل امتنع رسول الله عن بناء البيت على قواعد إبراهيم إلا خشية أن يكون فعله ذلك فتنة لقومه الذين أسلموا حديثاً؟!

فلا بد من وضع الثقة في العلماء، ولنعلم أنهم لن يمتنعوا عن فعل خير مظنون إلا رجاء خير أعظم أو خشية من وقوع شر أعظم.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم.

 مجلّة الأصالة  (33/40-39)

شارك المقال