* قسوة القلب:
الحجاب الرابع -أو المخدّر الرابع-: قول كثير من النّاس: أنّ العلم يقسي القلب! وهذه كلمةٌ تُسمع، ويقولها بعض أشباه الجهال -والعياذ بالله- وإذا كان العلم يقسي القلب؛ فلا نعلم شيئاً يلين القلب بعد العلم، ما هو؟
فالأحكام الشرعيّة والحلال والحرام هذا كله سمّاه الله -جلّ وعلا- في القرآن موعظة؛ فقال -جلَّ وعلا-: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُم مَّوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِّمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ * قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَٰلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ﴾ [يونس:57-58].
العلم قال الله قال رسوله قال الصحابة هم أولو العرفان، هذا العلم كما عرّفه ابن القيم في (النونية)، العلم مصدره ودليله قال الله، قال رسوله، القرآن بما فيه من العلم بالله والعلم برسوله والعلم بما وراء الغيب والجنّة والنار وما أعدّ الله.
وفضل الله ورحمته: القرآن والموعظة التي جاءت القرآن، والشفاء لما في الصدور الذي جاء بالهدى والرحمة هو القرآن، فالقرآن موعظة بكل ما فيه، فالعلم هو أكبر موعظة، العلم النافع لا يُقسّي القلب، العلم النافع يخشع معه القلب ويلين، لكن خشوع قلب طالب العلم ليس كخشوع قلب العابد الجاهل، فإن ذاك قد يأتيه من الخواطر أو ممَّا يظنُّه مِن الإيمانيات ما يجعله في الظاهر ألين قلباً! لكن ذلك في الحقيقة ألين قلباً وأخشع وأخضع كما هو ظاهرٌ من حال الصحابة -رضوان الله عليهم- كانوا أقوى، ومن بعدهم كانوا إذا تليت عليهم بعض الآيات أو إذا ذُكرت عليهم بعض القصص والرقائق ربما خرَّ بعضهم مغشياً عليه لأجل رقة قلبه.
ورقة القلب ولينه ليس هو الأمر المحمود -في ذاته-، بل لا بدّ أن تكون رقته ولينه على وفق ومقتضى العلم النافع؛ ولهذا قال جماعة من أهل العلم منهم شيخ الإسلام ابن تيمية وغيره قالوا: إنّ من غشي عليه من السلف ووجود هذا فيهم لأجل قوة الوارد وضعف القلب عن الاحتمال.
وهذا صحيح؛ فإنه إذا صار الوارد قوياً والقلب ليس فيه من قوة العلم ما يحجب أو يكون قوياً على هذا الوارد فإنه قد يُسقِط صاحبه، لهذا قلب طالب العلم ليِّن خاشع خاضع بحسب حاله، وبحسب ما أعطاه الله له، لكن -أيضاً- وعلى بصيرة من الدين، فإنّه قد تُسرع البدع إلى قلوب فيها لين وليس عندها تحصين بالعلم النافع، وقد قال -صلى الله عليه وسلم-: «أتاكم أهل اليمن هم أرق أفئدة»، وهذا ظاهره المدح بهم، وفيه ما يشير إلى أنه تُسرع فيهم الأهواء، لأجل رقّة تلك الأفئدة.
فالفؤاد الرقيق، أو العاطفي -أو كما نقول: المتحمس- أو كثير الوجل والخوف قد يأتيه أهل الأهواء فيجرفونه.
وأما العلم؛ فإنّه يعطي الخشية ويورث الخشية؛ لكنّها خشية العلماء، وليس خشية العباد الجهلة، لهذا جاء في الأثر أو الخبر:(عالم واحد أشد على الكفار من ألف عابد).
هذا؛ وإن كان في إسناده مقال لكن ربّما يصح موقوفاً وظاهر معناه الصحة؛ لأنّ العالم لا يستطيعه الشيطان لا من جهة الشبهات ولا من جهة الاستمرار على الشهوات.
فقد يغلبه في شهوة أو يغلبه في شبهة؛ لكن يستبصر فيعود في بصرة من جهة بيان الحق في الشبهة ومن جهة سلامة القلب من الشهوة بالاستغفار وبالإنابة.
فإنّ العلم يورث خشوع القلب ولا يورث قسوة القلب -والعياذ بالله- ومصداق ذلك في قوله -تعالى- : ﴿إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ﴾ [فاطر:28] يعني: أهل العلم أهل الخشية الحقيقيّة هم العلماء، هذا جاء على سبيل الحصر: ﴿إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ﴾ [فاطر:28] يعني: كأنّ البقية ليسوا بأهل كمال في الخشية، وخشية العلماء تختلف بحسب حالهم وبحسب ما هم عليه.
فإذن؛ إذا كان طالب العلم وجد في قلبه شيئاً من قسوة القلب أو إقبالاً على ذنب أو تفريطاً في أمر الله فلا يرجع ذلك إلى العلم فيسيء الظن بالعلم أو ينظر إليه غيره فيجده كذلك فيرجع ذلك إلى العلم! حاشا وكلا؛ وإنما مرجع ذلك إلى شهوة خفية يلازمها، وإما مرض شك يكون معك، وإما مرض شهرة وإما مرض جاه وإما مرض تكبُّر وأشباه ذلك.
حتى إن من أهل العلم من كان لا يرضى أن يخاطب إلا بالملك في الزمن الأول، كما قيل: ملك العلماء، وملك النحاة فلان، كان لا يرضى أن يسميه أحد بأبي فلان أو العالم أو العلامة حتى يقال: ملك كذا.
هذه شهوة خفية تتكون في الإنسان، وهذا لا يكون مردُّه عدم الخشية إلى العلم ولكن لأجل مرض في النفس وهذا يعالج بحسب ما هو عليه، أمّا العلم فإنه يورِّث الخشية والإنابة والرجوع إلى الله والأُنس به والاستغفار وملازمة التقوى، فإنّه يجب أن يحاسب نفسه على ذلك، وأن يجعل العلم الذي معه حُجَّةً له في الرجوع إلى التقسيم.
* العلماء والأحداث:
قول البعض: أن العلماء هم أقلُّ الناس -أو أبعد الناس- تأثيراً في الأحداث إذا وقعت، وأنّهم يرغبون في الصمت والسلامة، ويتركون توجيه الأمة!
هذا الكلام قد يدلّ على أن العلم يؤدي إلى التثبيط وعدم الجهاد أو الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر أو قول كلمة الحق ونحو ذلك!! وهذا من وساوس الشيطان، ومن إلقاء أهل الأهواء لأجل أن لا يقتدي النّاس بالعلماء! ولم يحدث هذا مرّة -قطُّ-، بل كلما حدثت فتنة منذ زمن السلف إلى يومنا هذا، أو حدث ابتلاء فإنه يعيب الجاهل على من صمت بصمته!
وما أحسن كلمة الخليفة عمر بن عبدالعزيز -رحمه الله تعالى- حيث وصف الصحابة ومن سلف بقوله:(إنّهم بعلم وقفوا وببصرٍ نافذٍ كَفُّوا) بمعنى أنّهم حين يتكلمون يتكلمون بعلم وحين يكفُّون عن الكلام وعن المقال: فإنّهم يكفُّون ببصر نافذٍ في شرع الله -جل وعلا-.
وكان السلف في الفتن يُكثِرون الصمت ويُقِلُّون الكلام، ولذلك كانت كلماتهم تُحفظ فتنقل، وأما كلام الخلف فهو كثير، وفي الفتن يكون أكثر على قلة العلم بنهج السلف الصالح في ذلك.
كلمات الإمام أحمد -مثلاً- كانت قليلة في فتنة خلق القرآن -والتي استمرت نحو عشرين سنة أو أكثر من عشرين سنة-؛ كانت قليلة؛ ولكنها حفظت ونقلت.
ولو كان في العشرين سنة التي استحكمت فيها هذه الفتنةُ كل يوم يقول كلاماً، ويُكرِّر ما يتناقل الناس لأصبح ذلك في مجلدات!
ولكن لم يكن هدي السّلف ذلك، قال الإمام مالك -رحمه الله- وسئل: الرجل تكون عنده السنّة أيجادل عليها؟ فقال: لا؛ يخبر بالسنّة؛ فإن قبلت منه وإلا سكت؛ لأنّ الواجب البيان أما إصلاح العباد: فهذا إلى الله -جل وعلا-: ﴿لَّيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَٰكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَاءُ﴾ [البقرة:272].
وقد أشار إلى هذه المسألة الحافظ ابن رجب في رسالته المشهورة (فضل علم السّلف على علم الخلف) وقال ضمن كلامه: (كلام السّلف قليل كثير الفائدة وكلام الخلف كثير قليل الفائدة)، وإذا وزنَّا هذا بالميزان في وقت الفتن المتقلّبة فإنّنا نجده ظاهراً في أن الكلام القليل المؤصَّل المستدَلّ له هو الذي ينفع، وأما غيره: فإنّه كثير؛ ولكنْ يُنْسي بعضه بعضاً، فإذا قال قائل: ما الذي قال فلان؟ نسي؛ لماذا؟! لأنّ الكلام كثير، وهو قد تكلم عشر مرات وعشرين مرة وثلاثين مرة... ونحو ذلك.
ولهذا نقول: إنّ العلماء يؤثّرون ويُغيّرون في الأحداث والفتن، لكنّ التأثير الشرعي والتغيير الشرعي.
انظر إلى قول النّبي -صلى الله عليه وسلم-: (من رأى منكم منكراً فليغيّره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه -يعني: فليغيره بلسانه- فإن لم يستطع فبقلبه)) وذلك من باب كراهية هذا الأمر، وهذا في ميدان التأثير والتغيير؛ فإنّه ليس العبرة بأن يكون هناك تغيير على وَفْق ما يريد صاحب الحق، لكن العبرة في أن يقول كلمة حق تبقى، وأن يؤثّر بحسب ما يعلمه من الكتاب والسنّة وهدي السلف.
وهذا يبقى ويستذكره الناس ولو بعد حين.
وكم مرت من فتن؛ بقي كلام العالم -فيها- هو المحفوظ، وهو الكلامُ الذي كان قليلاً مرجوعاً فيه إلى الكتاب والسنّة، ونُسي غيره، وهذا هو الذي حُفظ على مدار الزمان.
المطلوب من أهل العلم ومن طلبة العلم أن يكونوا مؤثّرين في الأحداث؛ لكن بما لا يُحدث فتنة، وبما لا يكون قولاً على الله بلا علم؛ لأنّه يبتلى هو نفسه من جراء ما يقول من كلام لم يتق الله -جل وعلا- فيه؛ بمعنى أنّه لم يجعله مؤصّلاً في كل كلمة؛ يحرص على أن تكون مختارة أو ممّا يعلم أنها حق في نفسها.
فعُلماء السلف يؤثّرون في الأحداث بمقتضى العلم الذي معهم، ولا يتأثرون بها؛ فربّما كان قليل كلامهم أبلغ، وربما كان إعراضهم أبلغ، وكلٌّ بحسبهِ، وكلٌّ في مجاله.
لهذا؛ فطلبة العلم يجبُ عليهم في خِضَمِّ الأحداث -أو إذا تغيرت- أن يبتعدوا عن الاجتهادات الفردية، وإذا تكلم أحدهم أو قال فإنّه لا يتجه هو إلى شيء فيعلنه في الأمة متفرِّداً ويعلنه في الناس!
وما أكثر -اليوم- وسائل الإعلام خاصة والإنترنت بصورةٍ أخصَّ.
بل ينبغي على طالب العلم -هذا- أن يتّقي الله، وأن يتأخّر شيئاً فشيئاً بحيث يستشير ويرجع، وتكون معه حجته فيما يقول.
* طول العمر:
ومن العوائق -أيضاً- في سبيل العلم- قول القائل: أنّ العلم يحتاج إلى عمر طويل، وإلى تفرّغ وإلى زمن، وأنا ليس عندي القدرة على التفرّغ، ولا على أن أكون كذلك!
هذا صحيح من جهة؛ من جهة أنّ العلم يحتاج إلى أن يبقى مع الإنسان؛ لكن لا تدري ما الذي يفتح الله -جل وعلا- لك.
العالِم أنفاسه له، وخطى طالب العلم في مشيه: يُكْتَب له؛ فهو في عبادة عظيمة.
وكم من إنسان لم يأنس من نفسه في العلم قوّة، ثمّ بعد ذلك طلب العلم، وصبر على ذلك، حتى بَرَزَ فيه.
وكم منهم من كان في الدراسة وسطاً أو دون الوسط، وكان غيره من الذين يأخذون تقديرات عالية كانوا أفهم وأسبق منه وأحفظ، لكن: بقي هذا طالب علم ينفع، وأولئك مَشَوْا في الحياة؛ فلم ينفعهم ذلك التميز والسبب في ذلك: أنّه يعلم أنّ طلب العلم عبادة عظيمة محمودة.
وإذا عَرَف المطلوب حقّر ما بذل فيه، وبقدر الاستمرار تكون العاقبة.
لا تستخسر وقتاً تقضيه في جلسة علميّة، ولا تستخسر وقتاً تمضيه في قراءة كتاب أو في سماع شرح كتاب في شريط أو نحوه؛ لأنّ هذا يُورّثك حبّ العلم، ويُورّثك حبّ أهله، ويُسهّل عليك العلم شيئاً فشيئاً.
روى الخطيب البغدادي في كتابه (الجامع لأخلاق الرواي وآداب السامع)، قال: كان شاب يكتب الحديث، فعسر عليه فبينما هو عند صخرة أو عند حجر فإذا بالماء يتقاطر عليها شيئاً فشيئاً قطرة.. قطرة وقد حفر فيها، فقال: هذه عبرة لك يا فلان ليس قلبك بأقسى من الحجر، وليس العلم بأخف من الماء فرجع وصار من أهل الحديث ومن رواته، وهذا صحيح.
* احتقار النفس:
ومن العوائق في ذلك: أن يقول القائل: هل تظنّ أنّك ستبلغ مبلغ الشيخ فلان؟ أو العالم فلان؟ أو الداعية فلان، أو فلان المشهور في العلم، هؤلاء فعلوا، وهؤلاء كان لهم كذا…
فيضرب الأمثلة من المشاهير لكي يحجزه ذلك عن الوصول إلى هذه المراتب العليا!
وهذا من وساوس الشيطان الكبيرة؛ لأنّ العلم في ذاته محمود، وفي مآلاته في الدّنيا والآخرة محمود وليس الغرض من طلب العلم أن يكون المرء إماماً لكلّ الناس، أو أن يكون عالماً يشار إليه، بل إذا قصد ذلك ونواه فهي نية فاسدة، بل الغرض من العلم هو أن يكون ما بينك وبين الله عامراً، وأن تكون عالماً بالله، تعرف ربّك -جل وعلا-، وإذا قرأت في الكتاب أو السنّة عرفت حق الله وحق رسوله -صلى الله عليه وسلم-، وأنت بفهم الكتاب والسنّة أعظم طمأنينةً في هذه الدنيا ألا وهي طمأنينة الإيمان، وبخاصّةٍ في حال قراءتك للقرآن وأنت تعلم ما تقرأ، وسماعك للسنّة وأنت تعلم ما تسمع وأنت تصلي وتعرف الصلاة وأحكامها.
لذلك إيّاك والمخدّر الذي يأتي به الشيطان، ويثبّط عن العلم بأنّك لن تكون مثل العالم الفلاني، ليس الأمر كذلك! الأنبياء -صلوات الله وسلامه عليهم جميعاً- هل كانوا على مرتبة واحدة: ﴿تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ ۘ مِّنْهُم مَّن كَلَّمَ اللَّهُ ۖ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ﴾ [البقرة:253].
هل كانوا جميعاً من أولي العزم؛ منهم خمسة؛ وهل الخمسة هؤلاء على مرتبة واحدة؟
ليس الأمر كذلك؛ فإذاً فالوهم في أن يقول قائل في طلب العلم إنّي لن أطلب حتى أكون كاملاً مدركاً، وليس العلم مقصوداً منه ذلك، إنَّما العلمُ -نيته الصالحة- أن تنوي رفع الجهل عن نفسك، وتكون عالماً بالله، فإنّه لَحَرِيٌّ أن يكون لك فضل العلم والعلماء، وهو أنهم مرفوعون لأن الله -جل وعلا- قال: ﴿يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ﴾ [المجادلة:11]، وبقدر ما تؤتي من العلم يرفعْك الله -جل وعلا- درجات، ثم المرء يوم القيامة يُسأل عما عمل، وتقام يوم القيامة ألوية فمع من يكون الإنسان؟
يكون مع أشبه النّاس به، وإذا كانت نفسه معلّقة بفلان وفلان فإنّه يرجى أن يكون معهم؛ لأنّ العلم وصلةٌ وسبيل في ذلك، قال -جلَّ وعلا- في الظالمين:﴿احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ وَمَا كَانُوا يَعْبُدُونَ * مِن دُونِ اللَّهِ فَاهْدُوهُمْ إِلَىٰ صِرَاطِ الْجَحِيمِ * وَقِفُوهُمْ ۖ إِنَّهُم مَّسْئُولُونَ﴾ [الصافات:22-24] قوله: احشروا الّذين ظلموا وأزواجهم؛ من هم الأزواج؟ هم النّظراء والأمثال والأشباه؛ يحشر الظالم مع مثيله القاتل، والمشرك عابد الوثن مع مثيله، وعابد الصنم مع عابد الصنم، وعابد النّبي مع عابد النّبي، فالظالم يُحشر مع شبيهه ومثيله؛ قال بعض أهل العلم: وكذلك أنّ أهل الإيمان يحشرون؛ الأمثال مع بعضهم بعضاً؛ لأنّه يكون أكثر اطمئناناً لقلوبهم وأبلغ في ذلك.
بهذا نقول -في هذه الخاتمة-: يجب علينا -جميعاً- المُتحدِّث والمُحدِّث- أن نحرص على العلم النافع، وألّا يشغلنا عنه شاغلٌ؛ لأنّه هو الباقي، وأما عوارض الدّنيا فتزول، والمرء بقدر مسيره فيه يعطيه الله -جلّ وعلا-، ويحاسب نفسه وبقدر محاسبته لنفسه يعطيه الله -جلّ وعلا- بفضله.
نسأل الله -جلّ وعلا- أن يقينا وإيّاكم العَثار، وأن يجعلنا من أهل الآثار، إنّه سبحانه جواد كريم.
وصلّى الله وسلم وبارك على نبينا محمد.
مجلّة الأصالة (13/45-15)