المنهجية في طلب العلم

نصائح مهمَّة إلى عُلماء الأُمَّة

  • الشيخ د. محمد موسى آل نصر الشيخ د. محمد موسى آل نصر
  • 14/11/2022
  • 266
نصائح مهمَّة إلى عُلماء الأُمَّة

        هذه كلماتٌ من القلب إلى القلب، أتوجَّه بها إلى إخواني أهل العلم وطلابه عسى الله أن ينفعهم بها؛ ﴿إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَذِكْرَىٰ لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ﴾، ﴿وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَىٰ مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ ۚ إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ ۚ وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ ۚ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ﴾.

      أيها العلماءُ الأفاضلُ: أنتم حملةُ لواءِ الدعوة إلى الله تعالى، وأنتم ورثةُ النَّبي – صلى الله عليه وسلم-، فأنتم أشرفُ الأمة وسادتُها، وأنتم المقدمون عند الله وعند عباده المؤمنين إن كنتم كما يجب أن تكونوا؛ عقيدة وأخلاقاً وسلوكاً وعملاً وعلماً وفضلاً، ولذلك فمسئوليتكم عظيمة، وأمانتكم جسيمة لا تقوى عليها الجبال الراسيات، فحقِّقوا قوله تعالى فيكم: ﴿إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ﴾.

      - احذروا أن تقولوا ما لا تفعلون؛ فإنكم إن كنتم كذلك حلَّ بكم مقت الله وغضبه ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ * كَبُرَ مَقْتًا عِندَ اللَّهِ أَن تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ﴾.

      - كونوا ترجماناً عملياً للكتاب والسنة، وما كان عليه سلف هذه الأمة من الصحابة والتابعين، فإنَّ نبيكم – صلى الله عليه وسلم - كان خلقه القرآن.

      - لا تخشَوا في الله لومةَ لائم، فلا تداهنوا أحداً، ولا تمالِئُوا ظالماً مهما بلغ في فظلمه وبطشه.

      - لا تركنوا إلى الذين ظلموا من الطَّواغيت، فتشتروا الحياةَ الدنيا بالآخرة، والعذاب بالمغفرة، فتمسَّكم النار، فتُحشروا مع الظلمة والجبابرة.

      - ازهدوا في دنياكم، فلا تغرَّنَّكم المناصب العالية، والقرب من الظلمة، فتقسوا قلوبكم، وتُؤثِروا مصالحكم العاجلة الفانية على آخرتكم الباقية الخالدة، فتكونوا من علماء السُّوء أذناب بغلة السُّلطان.

       - اتَّقوا الله في أنفسكم وأمتكم فلا تُحِلُّوا ما حرَّم الله، ولا تحرِّموا ما أحلَّ الله، فاقضوا بالحق وبالحق اعدلوا، ولتكن لكم استقلاليتكم فيما تفعلون وتَذَرُون، وبذلك تنالون ثقة الناس بكم وتعظيمهم لكم؛ لِما عندكم من الحقّ.

       - حقِّقوا أعظم ركن في الإسلام في أنفسكم وادعوا النَّاس إليه - أعني-:  التوحيد والاتباع المتمثل في شهادة أن لا إله إلّا الله وأن محمدا رسول الله -، فحققوا التوحيد واحذروا الشرك، فمن الأساس يبدأ الداعية، فمن بدأ بالسقف قبل الأساس خرّ عليه السقف من فوقه.

      - إياكم أن تتعصبوا لشخص ما مهما سما وعلا؛ خلا رسول الله -صلى الله عليه وسلّم -، فإنْ تعصّبتم لغير كتاب ربكم وسنة نبيه ضللتم وفرقتم أمتكم شيعاً وأحزاباً، ونالكم حظٌ وافرٌ من قوله تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَّسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ﴾، وقوله: ﴿كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ﴾.

      - اعلموا أنَّ الحبَّ في الله والبغض في الله أوثق عرى الإيمان، فلا تُعَظِّموا أهلَ البدع، ولا تُبَجِّلوهم، فّتُعَظِّموا بدعهم ومنكراتهم بتعظيمكم إياهم، فتُسخطوا ربكم.

      - قال – صلى الله عليه وسلّم -: «أوثق عرى الإيمان الحبُّ في الله والبغض في الله»(1).

      - اجتمعوا على كلمة سواء بينكم، ووحدوا صفوفكم، واحشدوا طاقاتكم.

      - فليجمعكم الحق، ورضى الله، ووحدة المصير، والخطر المُحْدِق.

      - وإياكم ثم إياكم أن يُفَرِّقكم الهوى وحبُّ الرئاسة والعلو في الأرض.

      - ارفقوا بالناس في دعوتكم، ولا تقسوا عليهم، وخاطبوهم برفق ولين، فلا تكونوا من المنفّرين؛ فتصبحوا فتنة للآخرين، قال -صلى الله عليه وسلّم -: «إنَّ الرفق لا يكون في شيء إلا زانه وما ينزع من شيء إلّا شانه»(2).

      * أيها العلماء: أحيوا سنةَ الجهاد التي أماتها أعداءُ الأمة في الأمة، الجهادِ بأنواعهِ كافَّةً؛ جهادِ العلم والدَّعوةِ، وجهادِ السِّيف والسِّنان، فالعلماء هم القادة والسادة على مر العصور، فإن نمتم عن الجهاد وتخاذلتم عن القيام به سلَّط الله عليكم وعلى الأمة ذُلّاً وهواناً لا ينزعه عنكم حتى تعودوا إلى دينكم وجهادكم، كما قال -صلى الله عليه وسلّم -: «إذا تبايعتم بالعينة (3) وأخذتم أذناب البقر ورضيتم بالزرع سلط الله عليكم ذلاً لا ينزعه حتى ترجعوا إلى دينكم» (4).

      * أيها العلماء الأفاضل: اعلموا أنَّه لن يصلح آخرُ هذه الأمة إلّا بما صلح عليه أوّلها، فصلح أمر أول هذه الأمة بالزهد واليقين وقد فسد أمر الأمة عندما فشت فيها البدع والمحدثات والمنكرات، فخذوا بأيدي هذه الأمة إلى سبيل الله المستقيم ﴿وَأَنَّ هَٰذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ ۖ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ... ﴾.

      * أيها العلماء الأفاضل: احذروا مؤامرات أعداء الإسلام من هذه الأمة ومن غيرها؛ فإنَّهم يقفون بالمرصاد، ويكيدون لكم ولدينكم ولأمتكم صباح مساء وحذِّروا الأمة من الفتن ما ظهر منها وما بطن، وحذِّروهم من الفرق الضالة الهالكة قديمها وحديثها فـ «إنَّ الإسلام بدأ غريباً وسيعود غريباً كما بدء فطوبى للغرباء» (5).

     وقد اختلط الحابل بالنابل، والتبس الحق بالباطل، فلا بدَّ من نور الكتاب والسنَّة وفهم السلف الصالح لكشف الشبهات، وضَرْب فِتَنِ أهل الشهوات: ﴿وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ﴾.

     قال -صلى الله عليه سلم -: «افترقت اليهود والنصارى إلى اثنَتَيْن وسبعين فرقة وستفترق أمتي إلى ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة، قيل: من هم يا رسول الله؟ قال: هم الذين على ما أنا عليه اليوم وأصحابي» (6).

     فلا بدّ - إذن - من معرفة ما كان عليه الرَّسول -صلى الله عليه وسلّم - وصحابته الكرام في كل أمور دينهم؛ لنسير على نهجهم ونتبعَ سبيلهم، فنكون معهم، ونحشر في زمرتهم، لأنَّ الدعاوى العريضة اليوم كثيرة، والأماني عديدة، والفتن شديدة، فمن يأخذ بأيدي الحيارى والتائهين -ويرفعهم من تلك الدَّرَكات إلى أعلى الدرجات- إلا ورثةُ النَّبي –صلى الله عليه وسلّم- حقّاً وصدقاً وهم أنتم.

    فإلى الأمام يا دعاة الإسلام، وعلماء الأمة، وصانعي مجدها، فإنَّ الأمة تترقَّب وثبتكم، وتشرئبُّ بأعناقها إليكم، وتهوي بأفئدتها إليكم، فكونوا عند حسن ظن أمتكم بكم، والسلام عليكم.

 ____________________________

:الحواشي

(1) «صحيح الجامع الصغير» (2536) لشيخنا الألباني.

(2) أخرجه مسلم.

(3) العينة: ضرب من البيوع الربوية التي فيها احتيال على شرع الله.

(4) حسن بشواهده كما في «الصحيحة» (11) لشيخنا حفظه الله.

(5) أخرجه مسلم.

(6) حسنه شيخنا في:«صحيح الجامع» (5/80).

مجلة الأصالة (31/6-34)

شارك المقال