المنهجية في طلب العلم

آفات على الطريق

  • الشيخ د. محمد موسى آل نصر الشيخ د. محمد موسى آل نصر
  • 14/11/2022
  • 295
آفات على الطريق

    طريق العلم والدعوة إلى الله من أجلِّ العبادات وأعظم القربات، وهما سبيل الأنبياء والمرسلين وسائر عباد الله المؤمنين، فزكاة العلم الذي هو ميراث النبوة الدعوة إلى الله وإخلاص الدين لله قولاً وعملاً واعتقاداً، لكن طريق طلب العلم وسبيل الدعوة لا تخلو من آفات تعيق المسيرة وتقطع الطريق فإن الشيطان قد قعد لابن آدم بأطرقة حتى لا يكون موصولاً بالله وحتى يكون ﴿كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِن بَعْدِ قُوَّةٍ أَنكَاثًا﴾ فيهدم ما بناه بنفسه ويخرب بيته بيده علم أم لم يعلم وله - أي الشيطان - في ذلك خطوات، والله يحذرنا من خطواته ﴿وَلا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ﴾.

    وفي هذه السطور وما يليها نتعرض لتلك الآفات التي تعترض سبيل طالب العلم والداعي إلى الله، حتى يكون المسلم على بصيرة من أمره، يعلم ويحذر ما يقطع عليه سيره إلى الله، فمن هذه الآفات:

1 - طلب العلم والدعوة لغير الله، إنما لدنيا يصيبها أو سمعة يكسبها أو منصباً يحوزه أو جاهاً يحظى به عند أهل الدنيا الدنيّة، وهذا من أخطر الآفات والعياذ بالله؛ لأنه محبط للعمل مذهب للأجر ذلك أن الاخلاص روح العمل الصالح؛ فعمل لا إخلاص فيه، كجسد لا روح فيه، والله سبحانه وتعالى يبين أهمية الاخلاص في حياة الناس فيقول: ﴿وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ ۚ وَذَٰلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ﴾.

    وفي الحديث القدسي: «أنا أغنى الشركاء عن الشرك، من عمل عملاً أشرك فيه معي غيري تركته وشركه».

    ولو لم يكن من ثمار الاخلاص إلا النجاة في الدنيا والآخرة والعصمة من كيد الشيطان لكفى، قال تعالى حكاية عن الشيطان: ﴿قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ﴾.

    فعلى طالب العلم والداعي إلى الله أن يحتسب علمه ودعوته لله، فلا يتعلم أو يدعو ليصرف وجوه الناس إليه، أو يماري السفهاء أو يجادل العلماء، بل كي يعبد الله كما أمر، ويدفع عن نفسه الجهل بالعلم، ويؤدي حق الله فيما علمه، فإن زكاة المال انفاقه وزكاة العلم في الدعوة إلى الله وتعليم الناس الخير، وعلامة الاخلاص عند العبد استواء المحمدة والمذمة عنده؛ لأنه مستغن بالله بما أتاه الله من علم.

2 - ومن آفات طريق الدعوة والعلم الكبر والعياذ بالله:

      فترى طالب العلم أو الداعية لا يحتمل المخالفة؛ فينظر إلى مخالفه بعين الاحتقار والتصغير، فيشيح بوجهه عمن دونه ويصعِّر خده للناس ولا يلتفت إلى كلامه ولو كان حقاً.

   والكبر داء عضال أول ما قتل ابليس عليه لعنة الله.

﴿قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ﴾ فهلك بكبره ومعصيته لله وتمرده على أمر ربه.

   وقارون هلك بغروره وتكبره حينما قال: ﴿إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَىٰ عِلْمٍ عِندِي﴾ فلم ينسب الخير إلى بارئه، والنعمة إلى مسديها، وكم يحرم الانسان الخير بكفره النعم وبطره وعلوه.

   ومن علامات المتكبر ردُّ الحق وغمط الناس كما بيَّن النبي – صلى الله عليه وسلّم - في الحديث الصحيح: «والكبر بطر الحق وغمط أو غمص الناس».

   وبعض طلبة العلم لا يلتفتون إلى من دونهم في العلم ولا يعيرونهم اهتماماً ولا يأخذون منهم حكمة أو فائدة وهذا من الكبر والعياذ بالله فإن المؤمن كالنحلة يرم من كل الأزهار ويخرج للناس عسلاً سائغاً للشاربين.

   ولذلك نرى كثيراً من طلبة العلم يسفهون أحلام مخالفيهم ويجهلونهم بحق أو بباطل، وإذا ذكروا عندهم غمزوهم ولمزوهم، لا لشيء، إلا لكبرهم واعجابهم بأنفسهم فلا تراهم يذكرون ما عند الرجل من خير بل أول ما يسألون عنه لا يذكرون إلا مثالبه ومعايبه، والواجب عليهم أن يبيِّنوا ما في اخوانهم من خير وينصحوا لهم ما يرون فيهم من شر وفساد، والعالم عند هؤلاء ليس من يخشى الله بل من صنف وألف، وطار ذكره في الآفاق وعلى ذلك يوالون ويعادون، فإنا لله وإنا إليه راجعون.

3 - ومن آفاتهم يغفر الله لهم:

   التحاسد والعداوة والبغضاء فيعادي أحدهم أخاه لا لأنه يخالفه في عقيدة أو منهج أو رأي وإنما لأنه ندٌّ له ومعاصر، والمعاصرة تقود إلى المنافرة إلا من عصم الله.

والنبي -صلى الله عليه وسلم- يحذِّر من مساوئ الاخلاق وعلى رأسها الحسد والبغضاء وهو داء الامم الذي توارثوه على مر عصورهم وكرِّ دهورهم، وقد يحمل الحسد صاحبه على الشروع في إيذاء من يحسده وربما وصل ذلك إلى القتل والعياذ بالله والقرآن مليء بضرب القصص والأمثلة؛ فهذا ابن آدم الأول قتل أخاه حسداً وهؤلاء أبناء يعقوب ألقوا أخاهم يوسف في الجب حسداً من عند أنفسهم وقلما يسلم من هذه الأدواء إلا من رحم الله وقد بسطنا الكلام حول الحسد في غير هذا الموضع.

      يتبع ...

مجلة الأصالة (28/10-30)

شارك المقال